أرشيف

حميد :اليمن والخليج : الفرص الضائعة!

من جد وجد ومن زرع حصد. عبارة يتعلمها الطفل في الابتدائية. نحن وبالأصح السلطة لم تعمل شيئا لكي ننضوي تحت خيمة مجلس التعاون الخليجي بل يصح القول أن كل السياسات الرئاسية المتبعة كان القصد منها إبعادنا عنه لتنفرد بنا السلطة لتمرير التوريث في ظل ضعف وفقر وتفكيرحصري بالخبز والماء والكهرباء وضرورات الحياة الأخرى ثم تعبث بهذا البلد كما تريد. ولكن مالعمل إذا كان من يحكمنا لم يدخل مدرسة ابتدائية ويقول للجامعيين في عقر دارهم أن الحياة أكبر مدرسة.
 في 11/5/2010 أصبنا بعدم الفهم وبالبلادة عندما سمعنا أن مجلس التعاون الخليجي دعا الأردن والمغرب للانضمام إليه وزادت الصدمة عندما علمنا بأن المغرب لم يطلب الانضمام وأن الطلب الأردني مجمدا منذ سنوات طويلة .
من يحب اليمن ومصلحة الخليج الحقيقية يجزم بأن اليمن أولى من الأردن الذي ليس له في المجلس أي وضع أما اليمن فهو عضو في ثلاثة مجالس وزارية ( العمل، الصحة والشباب والرياضة ). دعوة المغرب ذكرتني بما قاله سفير السودان في بلجيكا في عام 1982مندهشا لانتقال الفلسطينيين من لبنان إلى السودان عقب الغزو الإسرائيلي للبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا “ياه من بيروت إلى وادي مدني”. ربما كان في ذهنه أن هناك دولا أقرب جغرافيا من السودان تستضيف الفلسطينيين كسوريا التي كانت حينذاك خصما خبيثا للمرحوم ياسرعرفات .
أما في حالتنا والحق يقال وبدون عواطف أو عتب كما حدث من قبلي في مقابلة تليفزيونية فنقول إن وضعنا الحالي لايشجع أحدا على أن يقول لنا تفضلوا . لماذا؟ لأن اليمن في بعض الكتابات الرصينة المقرؤة على مستوى العالم كله دولة هشة وفي أخرى رخوة وفي ثالثة دولة فاشلة .وقبيل قرار مجلس التعاون بدعوة الأردن والمغرب للانضمام إليه، أجري استطلاع نشره موقع إيلاف حول قبول المواطنين الخليجيين من عدمه لعضوية اليمن في المجلس وكان الرفض بنسبة تزيد على 80%. أنا وأنت لو كنا خليجيان سنكون ضمن الرافضين لأن لاشيئ يغري أي خليجي ليرحب بنا في وسطه. التضخم الرقمي عندنا هو في الفقروالبطالة والحروب والفتن بين القبائل وشراء الذمم والفساد.
 وليس لدينا تعليم ولاصحة ولاقانون ولامؤسسات ولاحكومة محترمة أو جيش وطني . لقد ارتبط إسم اليمن في ظل سلطة ال33 سنة بالخطف وقتل السواح وإدمان القات والعطش والأمراض وكوكر للإرهابيين العابري الحدود التي تتوطأ السلطة معهم وتهربهم من السجون تحت ذريعة فضحت في حينها هي أنهم حفروا نفقا وهربوا منه ،ووظفتهم من قبل وستوظفهم كاحتياطي وقت الحاجة أو للابتزاز الدولي إلخ.
 ونتيجة كل ذلك أن الخليجي الذي يطوف بالدنيا كلها لايأتي إلينا حتى سائحا ناهيك عن أن يأتي مستثمرا لأن سمعتنا – السلطة وليس الشعب – في الحضيض .ومشاكل اليمن ليست مالية أو تنموية كما كان حال اسبانيا والبرتغال واليونان قبل انضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة ( الاتحاد الأروبي الأن) ولكنها بالإضافة إلى كل ذلك سياسية ثم أمنية واقتصادية وفقر في السياسات الرشيدة وفي انعدام المصداقية والثقة به و الفشل المخزي في إدارة البلاد لسنوات. كان من واجب النظام خلالها أن يعمل جاهدا على تهيئة اليمن للعضوية بتخصيص موارد للتنمية وإشاعة حالة صحية من الديمقراطية تشرك الأخرين في إدارة البلاد لاتهميشهم وإقصائهم وتخوينهم.
 دول الخليج تراقب أوضاعنا عن كثب ولها مصادر معلومات محلية وخارجية . ومن الفرص التي أضعناها عمدا وقصدا الدعم المالي الذي قدمه مؤتمر لندن في نوفمبر 2006 وقدره 4,7 بليون جنيه استرليني أي ثمانية بليون دولار وجلّه خليجي ولم نستفد إلا من اقل من 10% من هذه البلايين طوال ست سنوات بسبب عدم الرغبة السياسية في توظيفها وليس للعجز عن استيعابها. اليمن ليس دولة وجدت بالأمس ولديه مشاكل ملحة وضاغطة في البنية التحتية ومياه الشرب وصحة المواطنين والمواصلات والتعليم لاتخفف من أثارها السلبية سوى التنمية والتصنيع في مقدمتها والبحث العلمي .
عن هذا الفشل المتعمد تقول ساره فيليبس في مقال لها تضمنه كتاب صدر في الولايات المتحدة عن وقفية كرنيجي في العام الماضي بعنوان ” اليمن على الحافة” وشارك في كتابته سبعة من المتخصصين والمهتمين باليمن “إن التركيز الثقيل للسلطة المركزية يبقي الموارد والنفوذ السياسي في أيدي حفنة قليلة مختارة وينتج عن ذلك تعميق المصاعب الاقتصادية اليمنية”. ثم تقول “إن ضخ أموال أكثر لن يجعل النظام اليمني بالضرورة ينقل بعض سلطاته. وعن مؤتمر لندن تقول أن الحكومة اليمنية ضمرت (بضم الضاد)ولاتملك آلية للاستفادة من هذه المساعدة الكبيرة على المدى الطويل وتضع يدها على الجرح بقولها أن الشريك المحلي غير موجود وأن الحكومة اليمنية لم تبرهن أنها قادرة على الوفاء بما عليها من التزام .
 وتاريخيا فإن القيادة تفتقر للإرادة السياسية والمؤسسات الفعالة.واليمن بحاجة كما تقول ساره فيليبس إلى قادة راغبين وقادرين على تحفيز عمليات التغيير التدريجي “. لن ننسى أن الرئيس حضر هذا المؤتمر ووعد ثم وعد ولكن كل شيئ تبخر في الهواء الفاسد لأنه أصلا لايريد تنمية ويتصور أنه لايستطيع أن يحكم إلا في بحر من المشاكل إن لم توجد خلقها هو بنفسه.في إحدى اجتماعات وزراء الاقتصاد العرب في الجامعة العربية بالقاهرة سمعت من أحد مرافقي وزير الاقتصاد السابق بأن الأخير يشكو ويقول “مايشتوناش نشتغل”.
 هذه هي المأساة في اليمن لأننا لم نعط العيش لخبازه. ولذلك ضاعت على جيل كامل فرص الإسهام في تنمية البلاد ونقلها من خانة التخلف والفقر التي كانت عليها منذ عهد الأئمة إلى خانة أخرى.سبق لي أن أشرت في أكثر من مقال أن الرئيس وبطانته الأقرب لايريدون تنمية تخلق حراكا اقتصاديا وفكريا وسياسيا واندماجا اجتماعيا وأن سياسته لاتختلف عن سياسة الأئمة سوى في التفاصيل وفيما لايمكنه التهرب منه بحكم ضرورات العصر. الإمام أحمد رصف طريق صالة بتعز بالإسفلت لكي يتحرك إلى قصره هناك بسهولة ورئيسنا سار على دربه في صنعاء . ولكي يكون كل شيئ تحت الرقابة فالرئيس اهتم قليلا جدا بصنعاء التي جذبت إليها مئات الألاف من الناس لكي يكون كل شيئ تحت الرقابة ويسهل عليه ضبط إيقاع حركتهم بدلا من تشتيت الجهود والعيون في أكثر من محافظة. ومع هذا فالكثير مماأنجز في صنعاء تم بدعم خارجي . هويريد عاصمة يتفرج عليها الأجانب ويخرجوا بانطباع أن اليمن بخير. لكن هؤلاء وابتداء من ديسمبر 1998 لم يعودوا يأتوا.
 ولقدذكرت من قبل أن حاكم دبي قال لسفير سابق لنا في الإمارات أن المنطقة الحرة بعدن جوهرة في يد فحام. لايوجد رئيس يحارب مصالح شعبه إلا رئيسنا، وستثبت الأيام القادمة صحة ماأقول .كان يكفي الرئيس كقائد للبلاد أن يهتم بالتعليم والتعليم الفني والمهني لخلق فرص عمل في دول الخليج مادمنا نركز على العمالة ولكنه تاجر بالتعليم سياسيا ودينيا لتوطيد سلطته.
 ثم جنينا العلقم. هاهي الأبواب تفتح للمغرب ونحن لازلنا بعيدا عن المجلس الخليجي بعد السماء عن البحر . حكومتنا المشلولة برئاسته لم تعلق بشيئ على توسيع المجلس لأن هذه هي النتيجة التي تريدها.
 نحن نلوم قيادتنا بل وندينها على مالحق بنا من خسائر ومن ضعف ومن سمعة سيئة ولانلوم دول الخليج التي ماكان بمقدورها حتى تذكّرنا في قمتها التشاورية الثالثة عشر في الرياض بالقول ولو من طرف اللسان بأن المجلس لم يغلق أبوابه أمام اليمن وأنه عندما تستقر أحواله لكل حادث حديث.. نحن الأن حقا دولة فاشلة وليست هشة أو رخوة ولا يقترب من وباء الفشل إلامن هو فاقدا لرشده. ومن أغرب ماسمعت عنأن من أسباب فتور الحماس الخليجي لعضوية اليمن هو خشية الأعضاء من أن يحدث الرئيس بينها انقسامات وفتن وإذا كان ذلك صحيحا فإن فرصتنا لم تضع وستأتي لامحالة بعد أن يضيع الله من ضيعنا.

المبادرة الخليجية:
لاشك أن الشعب اليمني ممتنا لدول الخليخ على اهتمامها بالشأن اليمني ويقدر مبادرتها التي أرادت بها بحسن نية أن ينتهي الوضع المعوج في اليمن. ونرجو أن تدرك أن الرئيس تعمد إفشالها وهو لايدرك أنها ليست فقط مبادرة خليجية وإنما مبادرة دولية أيدتها الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها وأن المجتمع الدولي لايقبل الفراغ وماينتج عنه من مآس وكوارث في الاقتصاد والأمن ولن يسمح باستمرارالرئيس في ممارسة القتل وسفك الدماءوتحميله مسئولية فشل المباردة ورفضه لطوق النجاة الذي قدمه له مجلس التعاون.
 والمطلوب من مجلس التعاون أن يستمر في جهوده باستخدام الدبلوماسية السرية وأن تبذل دول الخليج وعلى رأسها السعودية المتضرر الأكبر من أي تطور سلبي يبدو أن لامفر منه ،مساع فردية تنهي تشبث الرئيس بالسلطة باسم شرعية انهارت ولم يعد لها من الأركان مايقنع أي عاقل. من جهة ثانية تقتضي المصلحة اليمنية والخليجية ألايعلن المجلس عن فشله أوتوقف جهوده ويستمر في مساعيه الحميدة حتى يقتنع الرئيس يالرحيل لإنقاذ الشعب من مستقبل قاتم إذا استمر على عناده.
كتب/علي محسن حميد
نقلا عن صحيفة الوسط

زر الذهاب إلى الأعلى